يوم 23 أغسطس 1939، وقع وزير الخارجية الألماني يواكيم فون ريبنتروب (Joachim von Ribbentrop) مع نظيره السوفيتي فياتشيسلاف مولوتوف (Vyacheslav Molotov) بالعاصمة موسكو اتفاقية عدم اعتداء تعهدت من خلالها ألمانيا والاتحاد السوفيتي باحترام السلام بينهما وإنهاء حالة العداء واتخاذ موقف الحياد في حال تعرض أحدهما لهجوم من طرف ثالث.
كما اتفق الطرفان بشكل سري على اقتسام أراضي بولندا وإنشاء خط حدودي جديد بينهما بأوروبا الشرقية. ويوم 1 سبتمبر 1939، هاجم الألمان بولندا معلنين بداية الحرب العالمية الثانية. وبعد حوالي 17 يوماً، تدخل السوفيت عسكرياً بالقسم الشرقي من بولندا بهدف ضمه للأراضي السوفيتية تنفيذاً لما جاء باتفاقية عدم الاعتداء.
إلى ذلك، ظن القائد السوفيتي جوزيف ستالين أن اتفاقية عدم الاعتداء كافية لحماية بلاده من خطر حرب مع النازيين. ومع تجاهله وإهماله للعديد من التحذيرات والتقارير الاستخباراتية حول حتمية هجوم ألماني على الاتحاد السوفيتي، انهار ستالين يوم 22 يونيو 1941 عقب سماعه لخبر بداية عملية بربروسا (Barbarossa)، الاسم الذي أطلقه الألمان على عملية غزو الأراضي السوفيتية، ووقوع مئات الآلاف من جنوده بالأسر خلال الأسابيع الأولى فقط للغزو. وفي مقابل ذلك، اتجه المسؤولون السوفيت للبحث عن سبب انهيار الجيش السوفيتي فوجّهوا ناظرهم نحو قائد الجيش بالجبهة الغربية للبلاد الجنرال ديميتري بافلوف (Dmitry Pavlov).
بافلوف قائدا للجيش بالجبهة الغربية
ولد ديميتري بافلوف يوم 4 نوفمبر 1897 بقرية فونيوكا (Vonyukh) بمنطقة كوستروما (Kostroma) الروسية. شارك بالحرب العالمية الأولى وقاتل فيما بعد بالحرب الأهلية الروسية لصالح الجيش الأحمر قبل أن يزاول مجدداً تعليمه العسكري مع نهاية الحرب ويتخرج من أكاديمية فرانز (Frunze) العسكرية سنة 1928.
لاحقاً، تولى بافلوف قيادة عدد من فيالق الفرسان والمدرعات بالجيش الأحمر قبل أن يرسل لإسبانيا للمشاركة بالحرب الأهلية لصالح الجمهوريين ما بين عامي 1936 و1937.
وخلال الحرب الأهلية الإسبانية، عمل مستشاراً عسكرياً وقاد أحد فيالق الدبابات السوفيتية فنال وسام بطل الاتحاد السوفيتي بفضل إنجازاته العسكرية وكسب شهرة كبيرة لدى القيادة العسكرية وستالين بموطنه. ومع عودته للاتحاد السوفيتي، مثّل بافلوف واحداً من العسكريين الذين نجوا من الإبادات الستالينية. وقد سمح له ذلك بالمشاركة بحرب الشتاء ضد فنلندا قبل أن يعيّن فيما بعد عام 1940 قائداً للجيش السوفيتي بالجبهة الغربية ليجد نفسه خلال العام التالي وجها لوجه مع الجيش الألماني الذي اجتاح البلاد يوم 22 يونيو 1941.
إعدام ورد اعتبار
ليلة يوم 21 يونيو 1941، تواجد ديميتري بافلوف بكييف (Kiev) لمتابعة إحدى حفلات الكوميديا الموسيقية. ومع تلقيه تحذيراً من القيادة العسكرية العليا بتوخي الحذر وتكثيف المراقبة على الجبهة الغربية بسبب وجود أنباء عن إمكانية هجوم ألماني وشيك، فضّل بافلوف مواصلة متابعة حفل الكوميديا الموسيقية للنهاية رافضاً مغادرة كييف ومثيراً بذلك غضب المسؤولين العسكريين بالبلاد.
ومع بداية عملية بربروسا، امتلك بافلوف 45 فرقة عسكرية، كان أغلب المتطوعين بها فاقدين للخبرة العسكرية، تحت إمرته. ومع انطلاق التقدم الألماني، فقد بافلوف الاتصال بجميع وحداته المتقدمة ليلجأ على إثر ذلك لتنفيذ أوامر ستالين السابقة بالحرف الواحد وتنفيذ هجمات متزامنة على محاور عدة لصد الألمان.
إلى ذلك، لم يكن بافلوف مؤمناً بأهمية الدبابات لحسم المعارك بالحرب العالمية الثانية. وبسبب ذلك لم يعر اهتماماً كبيراً لهذا النوع من الأسلحة. وقد واصلت قواته التقهقر أمام القوات الألمانية لحين سقوط مدينتي مينسك (Minsk) وبياليستوك (Bialystok). ومن ضمن 650 ألف عسكري كانوا تحت إمرته، لم يتمكن سوى 150 ألف فقط من النجاة حيث قتل وأصيب ما يزيد عن 200 ألف جندي بالمعارك بينما وقع 300 ألف آخرين في الأسر.
وبسبب هذه الكارثة العسكرية، اتهم بافلوف بالتقاعس في أداء واجبه تجاه الوطن فاعتقل من قبل أفراد المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية وأعدم رمياً بالرصاص قرب موسكو يوم 22 يوليو 1941 عقب تجريده من رتبته العسكرية. ومع رحيل ستالين، رد المسؤولون السوفيت الجدد الاعتبار لبافلوف بشكل صوري ووافقوا سنة 1956 على إعادته لرتبته العسكرية السابقة.
المصدر: مواقع